١٤]، قال: هؤلاء رجال أسلموا فأرادوا أن يأتوا رسول الله (ص) بالمدينة، فلمّا أتوا رسول الله (ص) ورأوا الناس قد فقهوا في الدين، همّوا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى هذه الآية، وفيها:
وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤).
فينبغي ألا تشغل المكلّف زوجته ولا أولاده عن طاعة الله، وأن تكون أسرته لمرضاة ربّه، معينة على الصلاح والإصلاح. إنّ الله يمتحن الإنسان بالمال والولد، فالمؤمن يتّخذ ماله وسيلة لمرضاة ربّه ويجعل من ولده أثرا صالحا وعند الله الأجر الأكبر لمن أحسن استخدام ماله وولده في طريق الخير والإحسان.
روى الإمام أحمد: أنّ رسول الله (ص) كان يخطب، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله (ص) عن المنبر فحملهما، ووضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله ورسوله نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
[الآية ١٥].
«نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان ويعثران حتّى قطعت حديثي ورفعتهما».
وفي الأثر: الولد مجبنة مبخلة، أي يجعل والده جبانا وبخيلا، رغبة من الأب في توفير الحماية والمال لولده.
والإسلام يهذّب الغرائز، وينمّي الفطرة ويوجّهها الوجهة السليمة، فيأمر بالاعتدال في حبّ المال والولد، ويحذّر من الافتتان بهما، وإذا طلبت الزوجة أو الأولاد، ما يغضب الله فحذار من طاعتهما، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وكلّ ما قد ترى تفنى بشاشته يبقى الإله ويفنى الأهل والولد وفي آخر السورة دعوة إلى تقوى الله قدر الطاقة والاستطاعة، وحثّ على الصدقة والإحسان، وتحذير من البخل والشّحّ: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الآية ١٧]. وإن تقدموا صدقة للفقراء، وعملا صالحا في مرضاة الله، فإنّ الله يضاعف الثواب لكم إلى سبعمائة ضعف، ويصفح عن سيئاتكم، ويشكر لكم أعمالكم، وهو سبحانه شكور حليم. فالله صاحب الفضل والنّعم يطلب من عبده فضل ما أعطاه، ثم يشكر لعبده ويعامله بالحلم والعفو عن التقصير ما أجمل الله وما أعظم حلمه، وما أوسع رحمته وفضله!