المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «النصر» «١»
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه قال في آخر ما قبلها: وَلِيَ دِينِ (٦) فكان فيه إشعار بأنه خلص له دينه، وسلّمه من شوائب الكفّار والمخالفين، فعقّب السياق ببيان وقت ذلك، وهو مجيء الفتح والنصر، فإن الناس حينما دخلوا في دين الله أفواجا، فقد تمّ الأمر، وذهب الكفر، وخلص دين الإسلام ممّن كان يناوئه، ولذلك كانت السورة إشارة إلى وفاته (ص) «٢».
وقال الإمام فخر الدين: كأنه تعالى يقول: لما أمرتك في السورة المتقدّمة بمجاهدة جميع الكفّار، بالتبري منهم، وإبطال دينهم، جزيتك على ذلك بالنصر والفتح وتكثير الأتباع.
قال: ووجه آخر، هو: أنه لما أعطاه الكوثر، وهو الخير الكثير، ناسب تحميله مشقّاته وتكاليفه، فعقّبها سبحانه، بمجاهدة الكفّار، والتبري منهم. فلما امتثل ذلك، أعقبه بالبشارة بالنصر والفتح، وإقبال الناس أفواجا إلى دينه، وأشار إلى دنوّ أجله، فإنه ليس بعد الكمال إلّا الزوال.
(٢). أخرج البخاري هذا المعنى في التفسير: ٦: ٢٢٠،. ٢٢١ عن ابن عباس. والإمام أحمد في المسند: ١: ٢١٧، ٣٤٤، ٣٥٦ وابن جرير في التفسير.