أعلم، أنهم يعكسون الكلام على حقائقه، ويزيلونه عن جهة صوابه، حملا له على أهوائهم وعطفا على آرائهم.
وقوله تعالى: لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ [الآية ٤٦].
استعارة أخرى. والمراد بها يميلون بكلامهم إلى جهة الاستهزاء بالمؤمنين، والوقيعة في الدين.
وقوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها [الآية ٤٧].
وهذه استعارة. وهي عبارة عن مسخ الوجوه أي يزيل تخاطيطها ومعارفها، تشبيها بالصحيفة المطموسة التي عمّيت سطورها وأشكلت حروفها.
وقوله تعالى: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى [الآية ٧٧].
استعارة. والمراد بها تخسيس قدر ما يصحب الإنسان في الدنيا، وأن المتعة به قليلة والشوائب له كثيرة.
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [الآية ٧١].
استعارة ومجاز لأن الحذر لا يؤخذ على الحقيقة، وإنما يصح الأخذ على ما يتأتى إمساكه بالأيدي من الأجسام، كالأسلحة المتعاطاة والآلات المستعملة، وما يجري مجرى ذلك، والمراد، والله أعلم: «تمسّكوا بالحذر وأديموا استشعاره، كما تتمسكون بالشيء الذي تشتمل عليه أكفكم، وتتعلق به أناملكم».
وقوله تعالى: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ [الآية ٩٠].
استعارة. والمراد بها صفة صدورهم بالضيق عن القتال وذلك مأخوذ من الحصار وهو تضييق المذهب والمنع من التصرف.
وقوله تعالى: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ [الآية ٩٠].
وهذه استعارة وحقيقتها: «إن طلبوا منكم المسالمة وسألوكم الموادعة»، وفي قوله تعالى: وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ عبارة عن طلبهم السلم عن ذل واستكانة وخضوع وضراعة.
وقوله تعالى: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [الآية ١٢٨].
وهذه استعارة وليس المراد أنّ محضرا أحضر الأنفس شحّها، ولكنّ الشّحّ، لما كان غير مفارق لها، ولا متباعدا عنها، كان كأنه قد أحضرها، وحمل على ملازمتها، ومثل ذلك.


الصفحة التالية
Icon