حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ [الآية ٥٧].
قال الزمخشري «١» : سحائب ثقالا بالماء جمع سحابة.
والضمير في «سقناه» يرجع للسحاب على اللفظ، ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلا.
أقول: السّحاب في العربية يراعى فيه اللفظ في الغالب، أي: أنه مفرد كالماء والهواء، وإن كان في الحقيقة شيئا لا يتبيّن فيه الإفراد من الجمع، وهو شيء كثير كالغمام والماء والهواء، ولكثرته روعي المعنى في الآية، فجاء الوصف «ثقالا»، بصيغة الجمع.
ثم جاء الضمير فعاد على السحاب في لفظه المفرد، فبدا هذا النمط الخاص في الآية من المراعاة.
أقول: هذه من خصائص لغة القرآن التي احتفظت بخصائص العربية القديمة.
١٦- وقال تعالى: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠).
«الملأ» في الآية تعني: الأشراف والسادة، وقيل: الرجال ليس معهم نساء. وسمّوا بذلك لأنهم ملاء بما يحتاج إليه.
أقول: ولنا أن نقول إن الفعل ملؤ يملؤ ملاءة فهو مليء، أي: صار مليئا، أي: ثقة.
هذا هو المليء وهو ليس بعيدا من جماعة «الملأ»، ولكن المعاصرين استعملوه بمعنى «ملئان» و «مملوء».
١٧- قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [الآية ٦١].
أقول إن كلمة «قوم» منادى مضاف إلى ياء المتكلم، فهو «يا قومي»، غير أن العربية في أدائها السليم، تفرض أن يجتزأ بالكسرة عن المدّ الطويل وهو الياء، وأرى أن ذلك بسبب طول الكلمة، فأداة النداء «يا»، تشتمل على مدّ طويل، يكون هو والمنادى تركيبا طويلا لا يحتمل الياء الأخيرة، فقصر المدّ، واكتفي بالكسرة، ومثله: يا ربّ، ثم استحسن هذا الحذف فبقيت «ربّ» في لغة الدعاء مع حذف «يا» منها.

(١). «الكشاف» ٢: ١١١.


الصفحة التالية
Icon