المبحث الخامس لغة التنزيل في سورة «الأنعام» «١»
١- قال تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ [الآية ٦].
أقول: دلالة القرن على الزمان مشهورة وحدّه عشر سنين أو عشرون أو ثلاثون أو أربعون أو خمسون أو ستون أو سبعون أو ثمانون أو مائة أو مائة وعشرون. والغالب هو مائة سنة.
والعدد الأخير هو المعروف في عصرنا، وليس شيئا من المقادير الأخرى، فيقال القرن الرابع عشر الهجري، وحدّه من ١٣٠١ إلى ١٤٠٠.
ولكن للقرن دلالات أخرى في العربية القديمة، فهو الأمّة من الناس هلكت، ولم يبق منها أحد، وهذا متحقّق في الآية موضع بحثنا، كما هو متحقق في آيات أخرى منها: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا [يونس: ١٣].
ولعل سبب إطلاق القرن على الأمّة، وعلى قدر من السنين في الوقت نفسه مردّه إلى علاقة أحدهما بالآخر بنوع من الاتّصال والملابسة.
٢- وقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً [الآية ٢٥].
أي: ومنهم من يستمع إليك حين تتلو القرآن. روي أنّه اجتمع أبو سفيان، والوليد، والنضر، وعتبة، وشيبة، وأبو جهل، وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله (ص) فقالوا

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل»، لإبراهيم السامرّائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، غير مؤرّخ.


الصفحة التالية
Icon