أقول: وكون هذا الفعل متعدّيا، معروف مشهور في العربية القديمة، ولا وجود له في العربية المعاصرة فإذا أريد تجاوزه إلى المفعول به، قالوا «أحزن» مزيدا بالهمزة.
وجاء في «الصحاح» أنّ «حزن» لغة قريش، و «أحزن» لغة تميم. والمصدر الحزن. وأمّا الحزن فمصدر «حزن» اللازم.
أقول:
لم أهتد في استقرائي منذ زمان بعيد إلى استعمال «حزن» المتعدي بصيغة المضي، فكلّ الذي وجدته من نصوص هو استعمال «يحزن»، ويؤيّد دعواي هذه ما ورد في لغة التنزيل، فقد جاء الفعل متعدّيا بصيغة «يفعل» في تسع آيات، منها قوله تعالى:
فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) [يس].
٥- وقال تعالى: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها [الآية ٥٩].
أريد أن أقف على قوله تعالى: إِلَّا يَعْلَمُها فأقول: هذا هو أسلوب القرآن يأتي الفعل بعد أداة الاستثناء في الجملة الحالية، وليس من واو كما نجد عند المعربين، ولا سيما في عصرنا الحاضر، يقال:
ما رأيته إلا ووجدته مشغولا بمسألة مشكلة.
وكأن الأسلوب الفصيح القول: ما رأيته إلا وجدته مشغولا بمسألة مشكلة.
ومثل هذا قوله تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤).
وقوله تعالى: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) [الحجر].
٦- وقال تعالى: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً [الآية ٦٥].
أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً بمعنى أن يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتّى، كلّ فرقة منكم مشايعة لإمام. ومعنى خلطهم: أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال.
وكتيبة لبّستها بكتيبة | حتى إذا التبست نفضت لها يدي «١» |