في أعماق نفوسهم بصدقها وكذبهم، ويترقبون يوما قريبا لانتصارها وانهزامهم، ولا يجدون لهم حيلة إلّا المكابرة والمعارضة المستميتة بما درجوا عليه من العقائد الباطلة، وبادّعائهم كذب الرسول (ص)، وبزعمهم أن إرسال الرسل من البشر أمر لم يقع من قبل، وأن الله لو شاء إبلاغ عباده شيئا لأنزل إليهم الملائكة وأنكر كفار مكة البعث والدار الاخرة، واستماتوا في الدفاع عن عقائدهم وآلهتهم، ونسوا أن محمدا (ص) عاش فيهم عمرا طويلا لم يقل فيهم يوما قولة كاذبة، ولم يخن فيهم يوما أمانة اؤتمن عليها، وأنهم لذلك كانوا يلقبونه بالصادق الأمين.
ولكنّهم فكروا فقط في أنّ الدعوة الجديدة يجب أن تموت في مهدها، ويجب أن تكتم أنفاسها قبل أن تنبعث حرارة هذه الأنفاس إلى البلاد والقبائل والشعوب.
ووجّهت الدعوة الإسلامية بهذا النضال، وتحملت جميع مقتضياته وأثقاله، وكانت سورة الأنعام مثالا لتحقيق هذه الدعوة الإسلامية في هذه الفترة. فقد جمعت العقائد الصحيحة كلها، وعنيت بالاحتجاج لأصول الدين، وتفنيد شبه الملحدين، وإبطال العقائد الفاسدة، وتركيز مبادئ الأخلاق الفاضلة.
٤- مميزات المكي والمدني
وضع العلماء ضوابط تميّز السور المكية من المدنية، واستنبطوا خصائص الأسلوب والموضوعات التي تناولتها كل مجموعة منهما.
فمن خصائص السور المكية ما يأتي:
١- الدعوة إلى التوحيد، وعبادة الله وحده وإثبات الرسالة، وإثبات البعث والجزاء وذكر القيامة وهولها، والنار وعذابها، والجنة ونعيمها ومجادلة المشركين، بالبراهين العقلية والآيات الكونية.
٢- وضع الأسس العامة للفضائل الأخلاقية التي يقوم عليها كيان المجتمع، وفضح جرائم المشركين في سفك الدماء، وأكل أموال اليتامى ظلما، ووأد البنات، وما كانوا عليه من سوء العادات.
٣- ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة زجرا للكافرين حتّى يعتبروا


الصفحة التالية
Icon