وإذا قرأنا قوله تعالى:
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما [الحجرات/ ٩].
فالمراعاة في هذه الآية لجمع الذكور في قوله تعالى: اقْتَتَلُوا، ثم جاء قوله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فعاد ضمير الاثنين مراعاة للفظ المثنى، وهو «طائفتان».
أقول: هذا كله من خصائص هذه اللغة الشريفة، التي سجّلت الكثير من خصائص هذه اللغة التاريخية.
١٤- وقال تعالى: قَدْ شَغَفَها حُبًّا [الآية ٣٠].
قوله تعالى: شَغَفَها، أي خرق حبّه شغاف قلبها، حتى وصل إلى الفؤاد، والشّغاف حجاب القلب، قال قيس بن الخطيم:
إنّي لأهواك غير ذي كذب | قد شفّ منّي الأحشاء والشّغف |
وقد حال همّ دون ذلك والج | مكان الشّغاف تبتغيه الأصابع |
وشعفه الحبّ: أحرق قلبه، وقيل:
أمرضه.
وقال الليث: وشعفة القلب: رأسه عند معلّق النّياط.
أقول: إذا كان الفعل بالغين المعجمة، فأصله من «شغاف القلب» أي: حجابه، وإذا كان بالعين المهملة، فأصله من «شعفة القلب» أي رأسه، وفي كلا الوجهين، برعت العربية في توليد الأفعال، ذات الدلالات المعنوية العقلية، من الأصول الحسّية.
١٥- وقال تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥).
قوله تعالى: بَدا لَهُمْ فاعله مضمر، لدلالة ما يفسّره عليه، وهو:
لَيَسْجُنُنَّهُ، والمعنى:
بدا لهم بداء، أي: ظهر لهم رأي فقالوا ليسجننّه، والضمير في «لهم» للعزيز وأهله.
ومن هذا قولهم: وبدا لي بداء، أي: تغيّر رأيي على ما كان عليه.