أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [البقرة: ١٦] والمراد بالبيع مبادلة الدين بالدنيا، كما في قوله تعالى فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة ٩]. وقيل إنما عطف سبحانه البيع على التجارة، لأنه أراد بالتجارة الشراء، إطلاقا لاسم الجنس على النوع. وقيل: إنما عطف عليها للتخصيص والتمييز، من حيث أنه أبلغ في الإلهاء لأن البيع الرابح يعقبه حصول الربح، بخلاف الشراء الرابح، فإن الربح فيه مظنون، مع كونه مترقّبا منتظرا. وقيل: التجارة مخصوصة بأهل الجلب، بخلاف البيع.
فإن قيل: لم قال الله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ [الآية ٤٥]، وبعض الدواب ليس مخلوقا من الماء، كآدم عليه السلام، وناقة صالح وغير هما؟
قلنا: المراد بهذا الماء: الماء الذي هو أصل جميع المخلوقات، وذلك أن الله تعالى- على حدّ قول بعضهم- خلق قبل خلق الإنسان جوهرة، ونظر إليها نظر هيبة، فاستحالت ماء، فخلق من ذلك الماء جميع الموجودات وقد سبق مثل هذا السؤال في قوله تعالى:
وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء: ٣٠].
فإن قيل: إذا كان الجواب هذا، فما الحكمة في تخصيص الدّابة بالذكر، أو تخصيص الشيء الحيّ؟
قلنا: إنّما خصّت الدّابة بالذكر، لأنّ القدرة فيها أظهر وأعجب منها في الجماد وغيره.
فإن قيل: لم قال تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ [الآية ٤٥] وقال أيضا:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ [الآية ٤٥] وهي مما لا يعقل؟
قلنا: لمّا كان اسم الدابة، يتناول المميّز وغيره، غلب المميّز على غيره، وأجري عليه لفظه.
فإن قيل: لم قال تعالى: مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ [الآية ٤٥] وذلك إنّما يسمى زحفا لا مشيا، فلا يسمّى مشيا إلّا ما كان بالقوائم؟
قلنا: هو مجاز بطريق المشابهة، كما يقال: مشى هذا الأمر، وفلان لا يتمشّى له أمر، وفلان ما مشي له الحال.
فإن قيل: لم أمر الله تعالى