الى هذه الحقيقة التاريخية، ليعرضوا عليها دعواهم التي يدّعون. ثم يحكي اعتراضهم على رسالة النبي (ص) وقولهم كما ورد في التنزيل لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)، ويناقش قولتهم هذه، وما تنطوي عليه من خطأ في تقدير القيم الأصلية التي أقام الله عليها الحياة، والقيم الزائفة التي تتراءى لهم، وتصدّهم عن الحقّ والهدى. وعقب تقرير الحقيقة في هذه القضيّة، يطلعهم على عاقبة المعرضين عن ذكر الله، بعد أن يطلعهم على علّة هذا العمى، وهو من وسوسة الشيطان.
ويلتفت السياق في نهاية هذا الدرس الى الرسول (ص) فيذكر تسلية الله تعالى له ومواساته إيّاه عن إعراضهم وعماهم، بأن الرسول (ص) ليس بهادي العمي أو مسمع الصّمّ، وسيلقون جزاءهم، سواء أشهد انتقام الله منهم، أم أخّره الله عنهم، ويوجّهه تعالى الى الاستمساك بما أوحى إليه فإنّه الحق الذي جاء به الرسل أجمعون فكلّهم جاءوا بكلمة التوحيد ثم يعرض، من قصة موسى (ع)، حلقة تمثّل واقع العرب هذا مع رسولهم، وكأنّما هي نسخة مكررة تحوي الاعتراضات ذاتها التي يبدونها، وتحكي اعتزاز فرعون وملته بالقيم ذاتها، التي يعتز بها المشركون:
المال، الملك، الجاه، السلطان، مظاهر البذخ. وقد بيّن القرآن الكريم، فيما سبق، أنّها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو شاء الله لأعطى هذه الأموال للكافر في الدنيا لهوانها على الله من جهة، ولأنّ هذا الكافر لا حظّ له في نعيم الآخرة، من جهة أخرى ولكنّ الله سبحانه لم يفعل ذلك خشية أن يفتن الناس، وهو العليم بضعفهم، ولولا خوف الفتنة لجعل للكافر بيوتا سقفها من فضة، وسلالمها من ذهب، بيوتا ذات أبواب كثيرة، وقصورا فيها سرر للاتكاء، وفيها زخرف للزينة...
رمزا لهوان هذه الفضة والذهب، والزخرف والمتاع، بحيث تبذل هكذا رخيصة لمن يكفر بالرحمن.
وهذا المتاع الزائل لا يتجاوز حدود الدنيا، ولكن الله يدّخر نعيم الآخرة للمتقين.
٣- من أساطير المشركين
تشتمل الآيات [٥٧- ٨٩] على


الصفحة التالية
Icon