فصاحب اللمم يقع في الكبائر أو يرتكب الآثام غير مصر عليها، ثم يندم ويتوب من قريب.
قال ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أراه رفعه» في الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [الآية ٣٢]. قال اللّمّة من الزنا ثم يتوب ولا يعود، واللّمّة من السرقة ثم يتوب ولا يعود، واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود. قال فذلك الإلمام.
وروى ذلك موقوفا على الحسن.
وهذا التفسير يفتح باب التوبة أمام الجميع حتى مرتكب الكبيرة لا ييأس، فإذا صدق في توبته، وأخلص في نيته، وأكد عزمه على التوبة النصوح، فإنّ أمامه رحمة الله الواسعة التي يشمل بها التائبين، ويستأنس لذلك بما في الآية من المغفرة:
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢).
والآية كما نرى تفتح باب الرجاء، وتدل الناس على عظيم فضل الله. فهو سبحانه خلقهم، وهو أعلم بهم.
وحينما يذنبون لا يغلق باب الرحمة في وجوههم بل يفتح أبواب القبول للتائبين، ويغفر للمستغفرين، قال تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) [الزمر].
وفي الصحيح أن رسول الله (ص) قال: «ينزل ربّنا كلّ ليلة إلى سماء الدنيا حينما يبقى ثلث الليل الأخير فينادي: يا عبادي هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه، هل من طالب حاجة فأقضيها له حتى يطلع الفجر». [والنزول هاهنا ليس النزول المعهود، وهو بكيفيّة لا يعلمها إلّا الله جلّ جلاله].
٥- حقائق العقيدة
وفي الآيات الأخيرة من السورة [٣٣- ٦٢] تعود الفواصل القصيرة والتنغيم الكامل في أسلوب بسيط، وإيقاع يسير، وتقرّر الآيات الحقائق الأساسية للعقيدة كما هي ثابتة منذ إبراهيم عليه السلام صاحب الحنيفية الأولى، وتعرّف البشر بخالقهم، فاثاره واضحة