* هل عورض القرآن؟
رأيتُ كثيراً من الباحثين في إعجاز القرآن ينفون معارضة العرب له. ويعزون
ما ورد منها إلى اختلاقات الرواة.
وأول مَن حاول ذلك هو الجاحظ حيث يقول: " ولم يرم ذلك خطيب، ولا طمع فيه شاعر ".
وقد اقتدى بالجاحظ الكثير من العلماء كالخطابى وابن خلكان وغيرهم من
القدماء.
وقد تأثر الدكتور على العمارى - حديثاً - بهذا الرأي فبالغ في نفى
المعارضات حقها وباطلها.. فلا مسيلمة عارض، ولا سجاح، ولا ابن المقفع، ولا المتنبي الشاعر، ولا أبو العلاء المعري، ولا طليحة.
كل هؤلاء - عند الدكتور العمارى لم يعارضوا القرآن. بل لم تحدث
المعارضة قَط. لا في عصر النزول ولا بعده.
وقد بنى هؤلاء مذهبهم - في نفى المعارضات - على اختلاف الرواية
والصياغة، وهذا مسلك قد يبدو وجيهاً، وحُجة قد تبدو محكمة. ولكنه لا
يفيد القطع. فليس اختلاف الرواية أو الصياغة - دائما - دليل شك أو بطلان.
فلم يسلم من اختلافات الرواية والصياغة حديث الرسول - ﷺ - ومع ذلك لم يقل أحد برفض أو بطلان ما اختلفت روايته منه، أو تباينت صياغته مع صحة سنده ومتنه.
فالحديث الواحد قد يأتى على عدة أسانيد مع اختلاف العبارات، ومع ذلك
فهو حُجة فقهية وأصل من أصول التشريع.
ولم يسلم من اختلاف الرواية والصياغة الشعر العربي القديم - جاهليه
وإسلاميه - ولم يُرفض ذلك الشعر جملة لأن رَوايته وصياغته جاءتا على
أساليب مختلفة، بل للرد والرفض طرق أخرى مدونة في مصادرها.


الصفحة التالية
Icon