* رأى عبد القاهر الجرجانى:
الأسلوب عند عبد القاهر الجرجانى يشمل جانبين: طريقة التفكير.. ثم طريقة الأداء اللفظي الذي يتجلى في أنماط التعبير.. قال: " واعلم أن الاحتذاء عند الشعر اء، وأهل العلم بالشعر وتقديره وتمييزه. أن يبتدئ الشاعر فى معنى وغرض أسلوياً - والأسلوب: الضرب من النظم والطريقة فيه - فيعمد شاعر آخر إلى ذلك الأسلوب فيجيء به في شِعره ".. ويتسع معنى الأسلوب عنده فينتظم من حيث التقعيد له، ووضع أصوله نظريات علم المعاني وما قرره فيها من توجيهات بلاغية لها بالأسلوب أوثق صلة.. ولا يهمل عبد القاهر توجيهات علم " النحو " وعلم " التصريف ". بل جعل النظم - الذي يرادف الأسلوب عنده - هو توخى معاني النحو بين الكلم. وهو بهذا يضفى على النحو مفهوماً أوسع من عُرف النحاة أنفسهم. فحكم اللفظ النحوى تابع لعرفة معناه ووظيفته في الأسلوب. وتوخى النحو بين الكلمات هو معرفة مواضعها من الصياغة الأسلوبية. قال: " إنه لا يتصور أن تعرف للفظ موضعاً من غير أن تعرف معناه، ولا أن تتوخى الترتيب فى الألفاظ - من حيث هي ألفاظ - ترتيباً ونظماً دون أن تتوخى الترتيب فى المعاني. وتعمل الفكر هناك. فإذا تم لك ذاك أتبعتها الألفاظ، وقفوت بها آثارها. وإنك إذا فرغت من ترتيب المعاني في نفسك لم تحتج إلى أن تستأنف فكراً في ترتيب الألفاظ. بل تجدها تترتب لك بحكم أنها خدم للمعاني. وتابعة لها، ولاحقة بها.. وأن العلم بمواقع المعاني في النفس علم بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق ". والخلاصة أن عبد القاهر في هذا النص يربط ربطاً محكماً بين مظهرى الأسلوب الآنفى الذكر: طريقة التفكير، ثم الأداء اللفظي. فالأسلوب - عنده - مجموع الأمرين. وتوخى معاني النحو هو الذي يجعل الأسلوب يبدو بهذه الصورة المتألقة.


الصفحة التالية
Icon