ومع تسليمنا بصدق ما يقوله المحدَثون فإن أمامنا حقيقة يجب أن نبرزها بكل
وضوح.. وهي:
إن القرآن صالح لأنواع عدة من الإعجاز كالإعجاز العلمي الكونى،
والإعجاز التشريعي. ولكن الإعجاز الذي وقع به التحدى في عصر الرسالة، لم يكن إعجازاً علمياً وتشريعياً، أو تاريخياً أو غيبياً، بل كان محصوراً فى
جهة واحدة هي الإعجاز البياني البلاغى التمثل في أسلوب القرآن ونظمه
وتراكيبه اللغوية. فالعرب الذين تحداهم الله تعالى بأن يأتوا بمثل كتابه - سورة أو سورتين أو عشر - لم يكونوا مشرِّعين ولا أطباء ولا كيماويين، ولا مؤرخين، بل كانوا مضرب المثل في الفصاحة والبلاغة وإحكام البيان، لذلك تحداهم الله من جهة هم فيها ضالعون. وهذا أظهر للعجز، وأمكن لقيام الحُجة عليهم حيث زعموا أن القرآن كلام بَشر.
فما الذي يمنعهم وهم بَشر من أن يأتوا بمثله؟
مع شدة حاجتهم للإتيان بمثله؟
هذا هو الإعجاز الذي وقع به التحدى وترتب عليه العجز من جهتهم وصدق الرسالة من جهة صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم.
وإذا تقرر هذا فإن موضوع هذا البحث يدور حول تجلية كثير من خصائص النظم القرآني، وسمات بلاغته المعجزة التي أعجزت الجن والإنس.
وقد سلكنا في ذلك مسلكاً حمدنا الله تعالى عليه.
وسيلم القارئ عند مطالعته للمقدمة التالية بأصول المنهج، وسيقف على كثير من التفاصيل والشروح عند مطالعته أبواب وفصول هذا الكتاب، وإنى لعلى الرحب والسعة أن أتلقى ملاحظات أهل العلم، وأعدهم بأنى سأعمل بها إن قُدِّرَ لهذا الكتاب أن يُطبع مرة ثانية وأنا على قيد الحياة.
والحمد للهِ في الأولى والآخرة.
البلد الطيب الأمين: مكة المكرمة. حى العزيزية..
عصر السبت ١٢ من شهر ربيع الثاني ١٤١٢ هـ الموافق (١٩ من أكتوبر ١٩٩١ م).
عبد العظيم بن إبراهيم المطعني
* * *