والوجه الأول هو الأظهر لأن المراد بيان إعراضهم عن دعوة الحق.
فسواء عندهم الإنذار وعدم الإنذار. لأنهم في الضلال سادرون.
وقد آثر القرآن كلمة:
" ينعق " لما فيها من مناسبة للمعنى. والنعيق: التصويت. يقال: نعق
المؤذن، ونعق الراعى بالضأن قال الأخطل:
فَانْعِقْ بِضَأنِكَ يَا جَرِيرُ فَإنما... مَنتْكَ نَفْسُكَ فِى الخَلاَءِ ضَلاَلاَ
والقوم - هنا - مشبَّهون بالأنعام فهى تسمع الصوت دوياً ولا تميز ما فيه من
معان وقيم مدعو إليها.
والقرآن كثيراً ما يُشبِّه الكافرين - في الضلال - بـ " الأنعام "، بل هم
أكثر منها ضلالا: (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ).
وهذا التعبير من قبيل التمثيل المركب. شبَّه فيه هيئة إعراضهم عن دعوة
الهدى بهيئة قطيع من الأغنام ينعق بها راعيها فلا تعى ولا تسمع.
ووجه الشبه بين كل من الطرفين هو الضلال وسلب الإدراك.
* صورة ثانية - حالهم مع كل ما يجب فهمه:
من ذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩).
هذا تصوير ثان لبيان ضلالهم هدف التشبيه منه مثل الأول.
والفرق بينهما أن التمثيل السابق ملحوظ فيه حالهم مع الداعي لهم إلى الحق. وهنا طوى ذلك الجانب مع تقديره بدلالة الالتزام.
فخرج الكلام معه - أي التصوير الثاني