* ومعنى آخر نلمحه:
فقد استعار القرآن لفظ " الأعمى " للكافر.. ثم استعار لفظ " الظلمات "
للكفر، وهنا تتحدد الصلة الوثيقة بين الكفر والعمى. وتتحدد كذلك شدة ضلال الكافر فهو أعمى في ظلام. والعمى وحده حاجب لرؤيته شيئاً. فكيف إذا كان هذا الأعمى في ظلام أنه أشد عرضة للهلاك حيث لا يتقى بنفسه الشر.
ولا يتقيه سواه لأنهم لا يرونه (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)..
هكذا يقول القرآن.
والمؤمن بصير. والإيمان نور. وهنا كذلك تتحدد الصلة القوية بين الإبصار
والنور بمعنى الإيمان.
وتتحدد كذلك درجة هداية المؤمن لأنه مبصر في نور: (نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ).. وهكذا يقول القرآن.
يقول إمام البيان عبد القاهر الجرجاني:
" النور في القرآن مستعار للبيان والحُجة، ويُستعار للعلم نفسه أيضاً وللإيمان. وكذلك حكم الظلمة إذا استعيرت للشُبهة والجهل والكفر.
وإذا استعيرت للضلالة والكفر فلأن صاحبهما كمن يسعى في الظلمة فيذهب في غير الطريق وربما دُفِعَ إلى هلك وتردى في أهوية ".
والأعمى الذي يتخبط في الظلام يحكم على الأشياء أحكاماً خاطئة.
وكذلك حال الكافرين ففد سوَّل لهم ضلالهم أن يجعلوا لله - سبحانه - شركاء لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون..
ثم ضرب الله مثلاً لحقه. ومثلاً لباطلهم..
(أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (١٧).