ففى المثل الأول حين نفى عن العبد قُدرته على شيء أثبت له الرق. والرق
نفسه عجز، وقد مهَّد لهذه الصفة بذكر العبد مقدماً عليها: (عَبْداً ممْلُوكاً
لأ يَقْدرُ عَلى شَىءٍ)، وقارن صفته هذه المتناهية في الضعف بمن مَن الله
عليه بجَلائل النِعَم من حرية تجعله حر التصرف محرر الإرادة.
ورزق حسن ينفقه على المحتاجين وهو لا يخاف مالكاً يحجر عليه.
فهو يُنفق منه سراً وجهراً.
ثم ينفى المساواة بينهما من كل الوجوه، وهل تستوى العبودية مع الحرية، والعجز مع القُدرة، والغنى مع الفقر؟
وفي المثل الثاني.. حين نفى عن أحد الرجلين قُدرته على الكسب مطلقاً
أثبت له صفة البكم. ثم قارنَ بينه ويين مَنْ هو طلق اللسان يأمر بالمعروف وهو على صراط مستقيم.. ثم نفى أن يكون بين الرجلين شبه.
ويرى الزمخشري أن القابل للمثلين في الموضعين: مثل مضروب لله تعالى،
فما كان في غاية العجز فهو الأصنام، وما كان في غاية القوة فهو الله.
وقريب منه قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٩).
هذا المثل ضربه الله لمن يُثبت آلهة شتى. وما يلزمه على قضية مذهبه من أن
يدعى كل واحد منهم عبوديته. ويتشاكسوا في ذلك ويتغالبوا ويبقى هو
متحيراً ضائعاً لا يدرى أيهم يعبد؟ وعلى ربوبية أيهم يعتمد؟.
وممن يطلب رزقه وممن يلتمس رفده. فهمُّه مشاع وقلبه أوزاع.
فهل يستوى حال هذا الحائر مع حال مَن يُثبت إلهاً واحداً.
فهو قائم بما كلفه به، عارف بما أرضاه وما أسخطه، متفضل عليه في عاجله وآجله.