وترى أن الزمخشري لم يذكر سبب الحذف البياني.
وهو لا يخرج عما قلناه.
ويُحذف الفعل أحياناً - ويُعوَّض عنه مصدره للدلالة على التأكيد كذلك، وقد مَثل له ابن الأثير بقوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً).
فقد حذف الفعل وأقيم مصدره مقامه.
والمعنى: فاضربوا الرقاب ضرباً.
قال ابن الأثير: " وفي هذا معنى التوكيد والمبالغة والاختصار وجرى
الزمخشري على هذا التوجيه ".
وقد ناب المصدر عن فعله في موضعين أخرين في هذه الآية: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً). إذ التقدير: فإما تمنُّون مَناً. وإما تفدون فداءً..
وفيهما ما في الأول. ويبدو أن المقام مبنى على الإيجاز لنزول هذه الآية في ظروف الحرب.
وقد يكون السر البياني في حذف الفعل هو الاختصاص كما في قوله تعالى:
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١).
فقد حذف الفعل في الآيتين في فواصلهما: (إِيَّايَ فَارْهَبُونِ) و (إِيَّايَ فَاتَّقُونِ) والمعنى: " إياى فارهبوا فارهبون. وإياى فاتقوا فاتقون ".
قال الزمخشري في قوله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) هو من قولك: زيداً
رهبته. وهو أوكد في إفادة الاختصاص من: (إيَّاكَ نَعْبُدُ).