أراد الله أن يصف اليهود بترك العمل بما علموا. فاختار لهم هذا المثل:
" حمار " يحمل أسفار العلم ونفائس المعارف. فهو يحملها على ظهره
ويصطك بها جنباه ويعانى من تعبها والكد في معاناة السير بها دون أن يعى
شيئاً مما حوته.
فقد نزَّل علمهم بها - أي بالتوراة - منزلة الجهل بما فيها من حيث أنهم لم
يعملوا بمقتضاها. فلم يكن لهم مثل أقرب من مثل الحمار الذي تلك صفته.
فالتركيب ظاهر في جهة المشبَّه به. لأنه ليس المراد تشبيههم بالحمار مجرد
حمار، بل الحمار على الهيئة المخصوصة.
وكذلك المشبه مركب أيضاً. لأن المراد تشبيه اليهود بتلك الهيئة المخصوصة
لامجرد يهود.
والوجه شقاء كل باستصحاب ما يتضمن النفع العظيم.
والفوائد الشريفة من غير أن يحصل على شيء مع معاناة الكد والمتاعب في حمله.
وقد سار هذا التمثيل مثلاً على أفواه المتأدبين والبلغاء.
وقال سبحانه في شأن المنافقين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
قال الزمخشري في توجيه هذا التشبيه:
" شُبهوا في استنادهم - وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير - بـ " الخُشُب المسندة "، ولأن الخُشُب إذا انتُفِعَ به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام غير منتفَع به أُسند إلى الحائط فشُبهوا به في عدم الانتفاع ".


الصفحة التالية
Icon