لعدم ثقتهم في أن يقولوا كلاماً كله رائج عنده. فكانوا لا يقولون إلا بحساب
ولا يقولون إلا المنمق من القول.
ولهذه الاعتبارات صدر الشرط بـ " إن " المفيدة للشك في حصول مدخولها
لأن " إن " وظيفتها ذلك الشك.
وأما إيلاء التشبيه الشرط الثاني فلأن له مدخلاً فيه ولو ولى الأول مباشرة
لنبا المعنى.
وذلك لأن معنى الشرط الأول - منفصلاً - لا ينسجم معه معنى التشبيه
لو حُمِلَ عليه فكان لا بدَّ من توسط الشرط الثاني.
فقولهم - إذن - هو سر افتضاحهم وإن حرصوا على تنميقه وتهذيبه.
لذلك أشبهوا " الخُشُب المسندة " التي عفا عليها الدهر فلم تصبح موضع
أمل أو مورد نفع.
وبقى معنى دقيق لم أر مَن تنبَّه له وهو مستفاد من إيلاء التشبيه الشرط
الثاني الذي فعل الشرط فيه: " يقولوا ".
وهذا المعنى هو إيهام أن المشبه هو القول.
على أن يكون المشبَّه به هو صوت الخُشُب المسندة لأنها لو أزيلت عن أماكنها سمعت لها دوياً وطنطنة ليس تحتها معنى وليس لها مدلول.
وهذا يعني أن قولهم هراء لأن كل ما يصدر عنهم في حضرة الرسول إنما هو
مبعثه النفاق والمخادعة.
ومن روائع تشبيهات القرآن: تشبيه المؤمنين بالإخوة مع اختلاف أنسابهم قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وهو تشبيه بليغ حسب مصطلح أهل الفن نزل فيه وصف الإيمان الصادق بمنزلة القرابة من الأب والأم.


الصفحة التالية
Icon