وروى أن النبي عليه السلام كان إذا أراد غزواً أورى بغيره، والورى - قال
الخليل -: " الورى الأنام الذين على وجه الأرض في الوقت، ليس مَن
مضى ولا مَن يتناسل بعدهم فكأنهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم ".
والتورية في اصطلاح البلاغيين عرَّفها ابن أبى الإصبع فقال:
" أن تكون الكلمة تحتمل معنيين، ويستعمل المتكلم أحد احتماليها ويهمل الآخر، ومراده ما أهمله لا ما استعمله "
وقد صرَّح قبل بأنها تسمى التوجيه، وهذا التعريف فيه طول.
وأجود منه ما ذكره الخطيب: " أن يطلق لفظ له معنيان. قريب وبعيد،
ويراد به البعيد منهما ".
وأجود منهما ما نراه في بحوث المحدَثين: " التورية: أن يذكر لفظ له
معنيان: بعيد مراد، وقريب غير مراد ".
والفرق بينها ويين التوجيه أن المعنيين في التوجيه في نحو قول الشاعر فى
أعور: " ليْتَ عَيْنَيهِ سَواء ".
إن تصور المعنيين في التوجيه يأتي بدرجة واحدة لا قُرب ولا بعد في أحدهما.
أما التورية.. فأحد المعنيين قريب، والآخر بعيد. فليسا سواء في التصور،
والمناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي ظاهرة لأن المعنى القريب غير
المراد، يستر البعيد ويخفيه.
وقد قسَّم الخطيب - وتابعه آخرون - التورية إلى: مجردة ومرشحة.
والمجردة هي التي لا تجامع شيئاً مما يلائم المورى به - يعني المعنى القريب -
الذي يشبه المعنى الحقيقي لتبادره إلى الفهم.
ومثله من القرآن الكريم: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥).


الصفحة التالية
Icon