كالحج والجهاد، وما ينفرد به المال كالزكاة وصدقة التطوع.. فقوله: (يُؤْمنُونَ بالِغَيْبِ) إشارة إلى عبادة الباطن، وقوله سبحانه: (وَيُقيمُونَ الصلاةَ)
تصريح بعبادة الظاهر.
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَمما رَزَقْنَاهُمْ يُنفَقُونَ) إشارة إلى العباده المالية.
فاستوعبت جميع الأقسام على الترتيب فقدم عبادة الباطن على
عبادة الظاهر، وعبادة البدن على عبادة المال.
وأما الآية الثانية فاستوفت أقسام الزمان في قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إليْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
فإيمانهم بما أنزل على الرسول إيمان في الحال، وبما أُنزل على الرسل من قبله
إيمان في الماضي، وإيمانهم بالآخرة إيمان بالمستقبل، وعبَّر عن إيمانهم بالآخرة
باليقين ليدل على قوة تصديقهم بالرسول وما أخبر به.
قال ابن أبى الإصبع: " فحصل في هذه الآية مع نهاية المدح صحة الأقسام
فى اللفظ، والمبالغة في معنى المدح والإيغال في الفاصلة ".
ثم تعرض لنقض بيت زهير، وهو أجمل ما جاءت فيه صحة التقسيم وأبلغه،
وهو قوله:
وَأعْلمُ مَا فِى اليَوْم وَالأمْسِ قَبْلهُ... وَلكِنى عَنْ عِلم مَا فِى غَد عَمِى
داعياً للموازنة بينه وبين الآية الثانية من آيتى البقرة، منتصراً للآية عليه
مبيِّناً ما فيه من زيادة لم يؤت بها إلا من أجل الوزن، وهي قوله: " قبله "
ملاحظاً ما بين فاصلة الآية وقافية البيت من فروق جوهرية، لافتاً النظر إلى
ما تضمنته الآية الكريمة من معان شريفة، لو عددت بألفاظها الموضوعة لها
ملأت الأكوان.