ويتضح هذا إذا ما قورن بمثله. وهو قوله تعالى:
(وَأقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيْمَانهمْ)..
فلما كان هذا الموضع كل ما فيه من ألفاظ معروفاً مسَتعملاً
قال: " أقسموا "، و " بالله " فلم تأت لفظة غريبة تفتقر إلى ما يشاكلها فى
الغرابة ويلائمها.
ومن أمثلته أيضاً قوله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ). لأن الركون إلى الظالم دون فعل الظالم نفسه.
ولذلك وجب أن يكون العقاب عليه دون عقاب الظالم، ولهذا قال سبحانه: " فتمسكم النار "، فالركون إلى الظالم يناسبه مس النار للراكن.
فلم يقل: "لا فقد دخلوا النار " - مثلاً - لأن المتبادر إلى الفهم أن مس النار أول ملاقاة الجسم لها.
* *
* المس والذوق:
هذا وقد جاء " المس " في غير هذا الموضع مراداً به العذاب المؤلم ولا يكون
إلا بالدخول في النار والمكث فيها، كقوله تعالى: (ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ).
فالمعوَّل - إذن - على القرائن كما يقول ابن أبى الإصبع نفسه:
" وإذا احتملت اللفظة احتمالات صرف منها إلى ما تدل عليه القرائن ".
وحتى في هذه الآية - (ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ) - قد يبلغ ائتلاف اللفظ مع
المعنى ومع اللفظ منتهاه.
فإذا كان المس أول ملاقاة الجسم للنار، فإن الإذاقة هى أول ملاقاة الطعوم للسان - إذن - فههنا مقابلة آسرة.. ولعل السر البلاغى
فى هذا التعبير أن إذاقة مس سقر كاف في الإيلام فما بالك بدخولها؟
وبهذا تنتهى أمثلة ابن أبى الإصبع لهذا الباب من القرآن الكريم.
والقرآن - بعد - مشحون بهذه الصور الآسرة. فلنورد بعضها فيما يأتي:


الصفحة التالية
Icon