فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال - وهو فن من كلامهم بديع وطراز عجيب منه قول أبى تمام:
مَنْ مُبْلِغُ أفْنَاءَ يَعُرُبَ كُلِّهَا... أني بَنِيتُ الجَارَ قَبْلَ المنزِلَ
ويلاحَظ أن اللفظ " المشاكل " هنا مجازي المعنى حقيقته الترك.
فمعنى: " إن الله لا يستحيي " أي لا يترك الضرب بالبعوضة ترك مَن يستحيي أن يمثِّل بها لحقارتها... لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يُعَاب به أو يُذَم وهو بهذا المعنى مستحيل في جانب الله.
إذن فقد اجتمع هنا لونان بديعيان: المشاكلة.. وقد تقدم شرحها.
(ب) المماثلة أو التمثيل.. وقد سبق أنهم يعتبرونه لوناً بديعياً.
وسبق كذلك أنه عندهم يُطلق على عِدَّة أمور: الاستعارة المفردة، الاستعارة
التمثيلية، المثل السائر.
(ب) الإبهام: وذلك بناء على ما ذكره المفسرون - كذلك - من أن " ما "
فى قوله تعالى: (مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) أن " ما " الأولى إبهامية،
وهى التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهاماً وزادته شياعاً وعموماً.
وكون " ما " إبهامية مشروط بنصب " بعوضة " - كما هي القراءة المشهورة
- وإن رفعت " بعوضة " فإن " ما " تصبح موصولة.
(د) التوجيه: وذلك في قوله تعالى: (فَمَا فَوْقَهَا) فإن الفوقية هنا
لها معنيان، أحدهما: فما تجاوزها في المعنى الذي ضُرِبت فيه وهو القِلة
والحقارة.
وثانيهما: فما زاد عليها في الحجم.
ولما كان أحد هذين المعنيين لم تنصب قرينة على إرادته بعينه، وبقى الفهم
والاعتقاد شركة بينهما حصل النوع البديعي الذي يسمونه " التوجيه "؟ وهو


الصفحة التالية
Icon