(ش) الإبداع: وهو في مجموع الآية.
هذا خلاصة ما ذكره ابن أبى الإصبع في بديع هذه الآية.
ولنا عليها ملاحظة هامة..
ذلك أنه وصف الآية بالمساواة وجعل المساواة فناً من فنون البديع كما جعل
الاستعارة كذلك.
ثم عاد ووصف الآية بالإيجاز، والإيجاز والمساواة ضدان لا يجتمعان، فإما
أن يكون الكلام مساوياً أو غير مساو بأن يكون موجزاً أو مطنباً، أما أن
يوصف كلام واحد بعينه بأنه مساو مرة وموجز مرة أخرى فهذا شىء غير مفهوم على الإطلاق، ونحن - إذا جاريناه على أن الإيجاز من فنون البديع - فإن الآية موصوفة به لا بالمساواة إذ هي قد اشتملت على نوعى الإيجاز:
ففيها إيجاز الحذف. ويكفي في تصور ذلك أن في الآية قد بنى الفعل
للمفعول في عدة مواضع: " قيل يا أرض " و " غيض " و " قضى الأمر "
و" وقيل بعداً ".
كما طوى ذكر السفينة وأضمر فاعل الفعل " استوت "، وحذف معمول
" أقلعي "... وهذا موسوم بإيجاز الحذف.
وفيها إيجاز قصر.. لأن بعض ألفاظها قد حوى كثيراً من المعاني مثل:
" غيض الماء " و " قضى الأمر ".
وبهذا يظهر خلط ابن أبى الإصبع في عَدِّ الآية من باب المساواة مرة والإيجاز
مرة أخرى.
وكيف ساغ له ذلك وهو البلاغي الضليع والناقد الأديب؟
لا أرى سبباً وراء ذلك إلا ولوعه بألوان البديع وكثرة محصوله منها.
* *


الصفحة التالية
Icon