ولكن الجواز اللغوي لا يفسر لنا السر البلاغي. فتلك قاعدة نحوية عامة
والمقاصد البلاغية اعتبارات خاصة. فما هو السر البلاغي إذن؟
* وجه لحذف ياء المتكلم مع " رب ":
ولعل السر أن كلمة " رب " لا تحتاج في نسبتها إلى المتكلم إلى تلك
العلامة اللفظية " الياء " فهو رب كل شيء سواء أضيف أو لم يضف.
وقد حرص القرآن الكريم على أن يستعمل هذه الكلمة محذوفاً منها ضمير المتكلم المضاف إليه في أغلب مواضعها.
هذا من حيث المعنى.. ووجه آخر من حيث اللفظ: لما كانت هذه الكلمة
" رب " تستعمل كثيراً في النداء روعي فيها وجه الخفة. بحذف ما تضاف
إليه إلا أن يكون ما تضاف إليه اسماً ظاهراً غير ضمير المتكلم.
فإن الإضافة لا تكمل إلا بذكر المضاف إليه كقوله تعالى:
(رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ).
ولأن قوة القرينة مع الإضافة إلى ياء المتكلم ساعدت على أمر الحذف.
بخلاف غيره، ويكثر - كذلك - حذف المضاف إليه في القرآن الكريم.
بعد الظروف والغايات مثل: (للهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمن بَعْدُ).
وبعد " كل " و" بعض " مثل: (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
وقوله تعالى: (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ).
وكذلك بعد " أي ". مثل قوله تعالى: (أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى).


الصفحة التالية
Icon