نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
٩٨٩ - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ تَبِعَهُمْ أُنَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسٌ، فَقَالَ الَّذِينَ بَقُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنَا أَنْ نَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، وَأَنْ نَتَّبِعَهُمْ ضَعْفٌ بِنَا، وَلَا تَقْصِيرٌ وَلَكِنْ كَرِهْنَا أَنْ يُغَرَّ بِكَ وَنَدَعَكَ وَحْدَكَ، قَالَ: فَتَمَارَوْا فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١]، ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَوَاضِعِهَا، فَقَالَ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ "، ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧]، قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ: «هِيَ الْمَغَانِمُ»
٩٩٠ - نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أرنا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي عِيرِ قُرَيْشٍ، وَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مُغَوِّثِينَ لِعِيرِهِمْ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَبَا سُفْيَانَ، وَأَصْحَابَهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَيْنًا طَلِيعَةً يَنْظُرَانِ بِأَيِّ مَاءٍ هُوَ، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا عَ‍لِمَا عِلْمَهُ، وَأُخْبِرَا خَبَرَهُ جَاءَا سَرِيعَيْنِ، فَأَخْبَرَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَنَزَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ بِهِ الرَّجُلَانِ، فَقَالَ: لِأَهْلِ الْمَاءِ هَلْ أَحْسَسْتُمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ مَرَّ بِكُمْ؟ قَالُوا: مَا رَأَيْنَا إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَأَيْنَ كَانَ مُنَاخُهُمَا؟ فَدَلُّوهُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى بَعْرَ إِبِلِهِمَا فَفَتَّهُ فَإِذَا فِيهِ نَوًى، فَقَالَ: هَذِهِ نَوَاضِحُ أَهْلِ يَثْرِبَ، فَتَرَكَ الطَّرِيقَ، وَأَخَذَ سَيْفَ الْبَحْرِ، وَجَاءَ الرَّجُلَانِ فَأَخْبَرَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُ، -[١١٢]- فَقَالَ: «أَيُّكُمْ أَخَذَ هَذِهِ الطَّرِيقَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هُمْ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، وَنَحْنُ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، فَيَرْتَحِلُ فَيَنْزِلُ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، وَنَنْزِلُ نَحْنُ بِمَاءِ كَذَا، ثُمَّ يَنْزِلُ بِمَاءَ كَذَا، وَتَنْزِلُ بِمَاءَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ نَلْتَقِي بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا كَأَنَا فَرَسَا رِهَانٍ، فَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا، فَوَجَدَ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ بَعْضَ رَقِيقِ قُرَيْشٍ مِمَّنْ خَرَجَ يُغْيِثُ أَبَا سُفْيَانَ، فَأَخَذَهُمْ أَصْحَابُهُ فَجَعَلُوا يُسَائِلُونَهُمْ، فَإِذَا صَدَقُوهُمْ ضَرَبُوهُمْ، وَإِذَا كَذَبُوهُمْ تَرَكُوهُمْ، فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنْ صَدَقُوَكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمْ، وَإِنْ كَذَبُوكُمْ تَرَكْتُمُوهُمْ؟»، ثُمَّ دَعَا وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَقَالَ: «مَنْ يُطْعِمُ الْقَوْمَ؟»، فَقَالَ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَعَدَّدَ رِجَالًا يُطْعِمُهُمْ كُلُّ رَجُلٍ يَوْمًا، قَالَ: «فَكَمْ يَنْحَرُ لَهُمْ؟» فَقَالَ: عَشَرَةً مِنَ الْجُزُرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَزُورُ بِمِائَةٍ وَهُمْ مَا بَيْنَ الْأَلْفِ، وَالتِّسْعِمِائَةٍ»، فَلَمَّا جَاءَ الْمُشْرِكُونَ صَافُّوهُمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَشَارَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قِتَالِهِمْ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُشِيرُ عَلَيْهِ، فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ فَقَامَ عُمَرُ يُشِيرُ عَلَيْهِ، فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ تُعَرِّضُ بِنَا مُنْذُ الْيَوْمِ لِتَعْلَمَ مَا فِي نُفُوسِنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ ضَرَبْتَ أَكْبَادَهَا حَتَّى تَبْلُغَ بَرْكَ الْغِمَادِ مِنْ ذِي يَمَنٍ لَكِنَّا مَعَكَ، فَوَطَّنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى القتال والصَّبْرِ، وَسُرَّ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا الْتَقَوْا سَارَ فِي قُرَيْشٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ: أَيْ قَوْمُ أَطِيعُونِي الْيَوْمَ، وَلَا تُقَاتِلُوا مُحَمَّدًا، وَأَصْحَابَهُ فَإِنَّكُمْ إِنْ قَاتَلْتُمُوهُ لَمْ تَزَلْ بَيْنَكُمْ أحْنَةٌ مَا بَقِيتُمْ، وَفَسَادٌ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَاتِلِ أَخِيهِ، وَقَاتِلِ ابْنِ عَمِّهِ، فَإِنْ يَكُن مَلِكًا أَكَلْتُمْ فِي مُلْكِ أَخِيكُمْ، وَإِنْ يَكُ نَبِيًّا فَأَنْتُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا كَفَتْكُمُوهُ ذُؤَبَانُ الْعَرَبِ، -[١١٣]- فَأَبَوْا أَنْ يَسْمَعُوا مَقَالَتَهُ، وَأَبَوْا أَنْ يُطِيعُوا، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي كَأَنَّهَا الْمَصَابِيحُ أَنْ تَجْعَلُوهَا أَنْدَادًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي كَأَنَّهَا عُيُونُ الْحَيَّاتِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَقَدْ مَلَأْتَ سِحْرَكَ رُعْبًا، ثُمَّ سَارَ فِي قُرَيْشٍ فَقَالَ: إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ إِنَّمَا يُشِيرُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا؛ لِأَنَّ ابْنَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ ابْنُ عَمِّهِ، فَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ فَغَضِبَ عُتْبَةُ، وقَالَ: أَيْ مُصَفِّرَ اسْتِهِ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا أَجْبَنُ، وَالْأَمُ وَأَقْتَلُ لِقَوْمِهِ الْيَوْمَ، ثُمَّ نَزَلَ وَنَزَلَ مَعَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَابْنُهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، فَقَالُ: أَبْرِزْوا إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ، فَأَجَابَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاخْتَلَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَقَرِينُهُ ضَرْبَتَيْنِ، فَقَتَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ، وَأَعَانَ حَمْزَةُ عَلِيًّا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ، وَقُطِعَتْ رِجْلُ عُبَيْدَةَ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ وَهَزَمَ عَدُوَّهُ، وَقُتِلَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَأُخْبِرَ بِقَتْلِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَفَعَلْتُمْ؟»، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَسُّرَ بِذَلِكَ، وَقَالَ: «إِنَّ عَهْدِي بِهِ وَفِي رُكْبَتَهِ جور فَاذْهَبُوا فَانْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ ذَلِكَ» فَنَظَرُوا فَرَأَوْهُ، وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَتْلَى، فَجَرُّوا حَتَّى أُلْقَوْا فِي الْقَلِيبِ، ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيْ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَيْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَجَعَلَ يُسَمِّيهِمْ رَجُلًا رَجُلًا، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوَيَسْمَعُونَ مَا تَقُولُ؟


الصفحة التالية
Icon