وكل قوم لهم طاغية يعبدونها كما يعبدون الله، يركعون لها، ويسجدون لها، ويحبونها كما يحبون الله، ويخافون منها كما يخافون من الله - نسأل الله العافية - هذا إذا جعلنا قوله تعالى: ﴿مع الله إلهاً ءاخر﴾ وصف لهذا الكفَّار العنيد.
أما إذا جعلناه أشمل من ذلك فإنها تعم كل إنسان تعبد لغير الله، وتذلل لغير الله، حتى التاجر الذي ليس له هم إلا تجارته وتنميتها فإنه عابد لها، حتى صاحب الإبل الذي ليس له هم إلا إبله هو عابد لها، والدليل على أن من انشغل بشيء عن طاعة الله فهو عابد له، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة» (١). عبد الدينار هذا تاجر الذهب، وعبد الدرهم تاجر الفضة، وعبد الخميصة تاجر الثياب؛ لأن الخميصة هي الثوب الجميل المنقوش، وعبد الخميلة تاجر الفرش، أو ليس بتاجر، يعني لا يتجر بهذه الأشياء لكن مشغول بها عن طاعة الله، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، فسمى النبي ﷺ من اشتغل بهذه الأشياء الأربعة عبداً لها، وفي القرآن الكريم ما يدل على أن العبادة أوسع من هذا، قال الله تعالى: ﴿أرءيت من اتخذ إلهه هواه﴾. فدل ذلك على أن كل من قدم هوى نفسه على هدي ربه فهو قد اتخذ إلهاً غيره، ولهذا يمكننا أن نقول: إن جميع المعاصي داخلة في الشرك في هذا المعنى، لأنه قدمها على مرضاة الله تعالى
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله (٢٨٨٧). وفي رواية: (القطيفة) بدل الخميلة.


الصفحة التالية
Icon