على باطلهم ﴿واستكبروا استكباراً﴾ فكان آخر ما قال عليه الصلاة والسلام: ﴿رب لا تذر على الأَرض من الكافرين دياراً﴾ ودعا ربه أني مغلوب فانتصر، قال الله تعالى: ﴿ففتحنآ أبوب السماء بماء منهمر وفجرنا الأَرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر﴾ ولهذا والله أعلم سيكون عليهم نصيب من عذاب المكذبين لأنهم هم أول أمة كذبت الرسل، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (١)، كما أن من قتل نفساً فإن على ابن آدم الذي قتل أخاه كفلاً ونصيباً من عذاب القاتل إلى يوم القيامة (٢).
ثم قال عز وجل: ﴿والسماء بنينها بأيد وإنا لموسعون﴾ السماء مفعول لفعل محذوف والتقدير، وبنينا السماء، وقوله: ﴿بأيد﴾ أي: بقوة، كما قال الله تعالى: ﴿وبنينا فوقكم سبعاً شداداً﴾ فالأيد هنا أي القوة، وليست جمع يد كما يتوهم بعض الناس، ويظنون أن الله تعالى بنى السماء بيديه عز وجل؛ لأن الأيد هنا مصدر آد يئد بمعنى القوة، كما يقال باع يبيع بيعاً، ولهذا لم يضف الله هذه الكلمة إلى نفسه الكريمة كما أضافها إلى نفسه الكريمة في قوله تعالى: ﴿أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينآ أنعماً﴾ فمن فسر الأيد بالقوة هنا فإنه لا يقال: إنه من أهل التأويل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، بل هو من التأويل الصحيح، والإنسان إذا تأمل وتفكر في السماوات عرف أنها قوية شديدة
_________
(١) أخرجه مسلم، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة (١٠١٧).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته (٣٣٣٥)، ومسلم، كتاب القسامة، باب بيان إثم من سن القتل (١٦٧٧).