عصاة المؤمنين فإن الأصل الوقوع، وقد أنذر الله العباد وخوَّفهم، وبيَّن لهم، لكن مع ذلك قد يرتفع بأسباب متعددة، ﴿إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع﴾، (ما) نافية، و (دافع) مبتدأ مؤخر، دخلت عليها (من) الزائدة للتوكيد، يعني ما من أحد ولو عظمت منزلته وقوته يدفع أو يرفع عذاب الله - عز وجل - لأن (دافع) هنا تشمل المنع قبل الوقوع، والرفع بعد الوقوع، لا أحد يدفع عذاب الله ولا يمنعه عن أن ينزل ولا يرفعه إذا نزل، وإنما ذلك إلى الله وحده، نسأل الله تعالى أن يعاملنا بعفوه، وأن يغفر لنا ما سلف من ذنوبنا وما حضر، إنه على كل شيء قدير.
﴿يوم تمور السماء موراً وتسير الجبال سيراً فويل يومئذ للمكذبين﴾ هذه الآية: ﴿يوم تمور السماء موراً﴾ متعلقة بقوله: ﴿إن عذاب ربك لواقع﴾ يعني أن العذاب يقع في ذلك اليوم، قوله: ﴿يوم تمور السماء موراً﴾ قد يظن الظانّ أن المصدر هنا (موراً) لمجرد التوكيد، ولكنه ليس كذلك، بل هو لبيان تعظيم هذا المور، والمور بمعنى الاضطراب، يعني أن السماء تضطرب وتتشقق، وتتفتح وتختلف عما هي عليه اليوم، كما قال تعالى: ﴿إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت﴾. ولا إنسان يتصور أو يعلم حقيقة ذلك اليوم، ولكننا نعلم المعنى بما أخبر الله به عنه، أما الحقيقة فهي شيء فوق ما نتصوره الآن، ﴿وتسير الجبال سيراً﴾ أي: تسير سيراً عظيماً، وذلك أن الجبال تكون هباءً منثوراً، وتتطاير كما تتطاير الغيوم، وتسير سيراً عظيماً هائلاً،