مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءهم}.
هذه أربعة أنهار: من ماء غير آسن، أي: غير متغير، والمياه في الدنيا إذا لم يأتها ما يمدها وبقيت راكدة لابد أن تتغير فتكون آسنة، وماء الجنة لا يتغير، غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، واللبن في الدنيا إذا أبقي يتغير ويفسد، لكن في الآخرة لا يتغير، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وخمر الدنيا فيه رائحة كريهة ثم أنه يقلب العاقل إلى مجنون، وفيه أيضاً الصداع، وفيه فساد المعدة، لكنه في الجنة أنهار من خمر لذة للشاربين، وقد قال الله تعالى في سورة الصافات: ﴿لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون﴾. والرابع ﴿وأنهار من عسل مصفى﴾ ﴿هنيئاً بما كنتم تعملون﴾ الهنيء هو الذي لا يكون له عاقبة سيئة، ولا تبعة من تجاوز، أو إسراف ﴿بما كنتم تعملون﴾ أي: بسبب ما كنتم تعملون، (فالباء) هنا للسببية، وليست الباء للعوض، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لن يدخل الجنة أحد بعمله» (١).
فإن قيل: إن الله تعالى قال: ﴿كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون﴾، فجعل الله تعالى ذلك بسبب العمل، والرسول ﷺ يقول: «لن يدخل الجنة أحد بعمله» مع أن الله يقول: ﴿بما كنتم تعملون﴾ ؟
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب المرضى، باب نهي تمني المريض الموت (٥٦٧٣) ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى (٢٨١٦).


الصفحة التالية
Icon