الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمذكر محذوف، والتقدير: ذكر الناس، أو إن شئت فقل: ذكر من أرسلت إليهم من الجن والإنس، ﴿فمآ أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون﴾ هذا نفي لما ادعاه المكذبون للرسول ﷺ بأنه كاهن أو مجنون، قال الله تعالى: ﴿فذكر فمآ أنت بنعمة ربك﴾ أي بإنعام ربك عليك بما أنزل عليك، من الوحي لست ﴿بكاهن ولا مجنون﴾، والكاهن هو الذي يخبر عن الغيبيات في المستقبل، وكانت الكهانة في الجاهلية مشهورة، يكون للإنسان رئي من الجن يصحبه ويخدمه، ثم يصعد الجني إلى السماء يستمع ما يقال في السماء، وينزل به على هذا الكاهن، فيكون هذا علم غيب عن أهل الأرض، لكن الكاهن يزيد عليه أشياء كثيرة يتخرصها، فإذا وقع ما سمعه من السماء صار عظيماً في قومه، لأنه أخبر عن شيء مستقبل فوقع، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما جاء بالوحي رده المشركون وكذبوه، وقالوا: إنما جاء به محمد من الكهانة، لأن الكهان يخبرون عن الشيء فيقع، ولأن الكهان أيضاً يأتون بكلام مسجوع يشبه القرآن، والقرآن آيات مفصلة، أتى بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا قال النبي ﷺ في كلام حمل بن النابغة الذي قال: (يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما هو من إخوان الكهان» (١)
من أجل سجعه الذي سجع، فهم
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الكهانة (٥٧٥٨) ومسلم، كتاب القسامة، باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ (١٦٨١) (٣٦)..


الصفحة التالية
Icon