يعقلون}. هذه الآية تشير إلى قوم أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان معهم قوم جُفاة لا يقدرون الأمور قدرها، فجعلوا ينادون النبي ﷺ من وراء حجراته - أي حجرات نسائه - ويرفعون أصواتهم بذلك يريدون أن يخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليهم (١)، يقول الله في هؤلاء: ﴿أكثرهم لا يعقلون﴾ يعني ليس عندهم عقل، والمراد بالعقل هنا عقل الرشد؛ لأن العقل عقلان: عقل رشد، وعقل تكليف، فأما عقل الرشد فضده السفه، وأما عقل التكليف فضده الجنون، فمثلاً: إذا قلنا: يشترط لصحة الوضوء أن يكون المتوضىء عاقلاً مميزاً، فالمراد بالعقل هنا عقل التكليف، وإذا قلنا: يشترط للتصرف في المال أن يكون المتصرف عاقلاً، أي عقل رشد، يحسن التصرف، فالمراد بقوله هنا: ﴿أكثرهم لا يعقلون﴾ أي عقل رشد؛ لأنهم لو كانوا لا يعقلون عقل تكليف لم يكن عليهم لوم ولا ذم، لأن المجنون فاقد العقل لا يلحقه لوم ولا ذم، وهذا واضح، وقوله: ﴿أكثرهم لا يعقلون﴾ يفهم منه أن بعضهم يعقل وأنه لم يحصل منه رفع صوت، بل هو متأدب مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم قال تعالى: ﴿ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم﴾ أي لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم من بيتك، وتكلمهم بما يريدون لكان خيراً لهم في أنهم يلتزمون الأدب مع النبي ﷺ وحاجتهم ستقضى؛ لأن رسول الله
_________
(١) أخرجه الإمام أحمد (٣/٤٨٨) (٦/٣٩٣ - ٣٩٤) وانظر تفسير السيوطي الدر المنثور (٧/٥٥٢ - ٥٥٤).