الكفر، أو منحرف في مروءته لا يبالي بنفسه يمشي بين الناس مشية الهوجاء، ويتحدث برفع صوت، ويأتي معه بأغراض بيته، يطوف بها في الأسواق وما أشبه ذلك مما يخالف المروءة، فهذا عند العلماء ليس بعدل. ﴿إن جاءكم فاسق بنبإ﴾ أي جاءكم بخبر من الأخبار، وهو فاسق، مثال ذلك: جاءنا رجل حالق للحيته، وحالق اللحية فاسق، لأنه مصر على معصية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «أعفوا اللحى» (١). وهذا لم يعف لحيته، بل حلقها، فهذا الرجل من الفاسقين؛ لأنه مصر على معصية، جاءنا بخبر فلا نقبله لما عنده من الفسق، ولا نرده لاحتمال أن يكون صادقاً، ولهذا قال الله - عز وجل -: ﴿فتبينوا﴾ ولم يقل فردوه، ولم يقل فاقبلوه، بل يجب علينا أن نتبين، وفي قراءة (فتثبتوا) وهما بمعنى متقارب، والمعنى: أن نتثبت.
فإذا قال قائل: إذن لا فائدة من خبره.
قلنا: لا بل في خبره فائدة، وهو أنه يحرك النفس حتى نسأل ونبحث؛ لأنه لولا خبره ما حركنا ساكناً، لكن لما جاء بالخبر نقول: لعله كان صادقاً، فنتحرك ونسأل ونبحث، فإن شهد له الواقع بالحق قبلناه لوجود القرينة الدالة على صدقه، وإلا رددناه، وقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا﴾ يفيد أنه إن جاءنا عدل فإننا نقبل الخبر، لكن هذا فيه عند العلماء
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب إعفاء اللحى (٥٨٩٣)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة (٢٥٩).


الصفحة التالية
Icon