أجاز الرسول عليه الصلاة والسلام جنس العبادات ولو كانت مالية دل ذلك على جواز جنس جميع العبادات، وقالوا أيضاً: الصيام ليس عبادة مالية، ومع ذلك قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» وإذا أجيز هذا في الواجب، والواجب متحتم، فهو كالدين، والدين إذا قضاه الغير عن المدين أجزى، وحملوا قوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ على أن المعنى أنه لا يمكن أن يأخذ من عمل غيره، لكن إذا أهدى إليه غيره من العمل فإنه لا بأس به، كما أن الإنسان ليس له التصرف في مال غيره، ولو أعطاه شخص مالاً لتصرف فيه. وقد نقل الجمل في حاشيته على الجلالين (الفتوحات الإلهية) في هذا الموضع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يجوز إهداء القرب وأن الميت ينتفع بذلك، وذكر لهذا أكثر من عشرين وجهاً، فمن أحب أن يراجعه فليراجعه.
وعلى كل حال حتى ولو قلنا بما ذهب إليه الإمام أحمد - رحمه الله - من أي قربة فعلها الإنسان وجعلها لمسلم فإن ما عليه عمل الناس اليوم مخالف لهذا الكلام، إذ إن الناس اليوم تجدهم يهدون كثيراً من العمل الصالح للأموات، يعتمر للميت دائماً ويصوم عنه تطوعاً دائماً، ويضحي عنه دائماً، ولو ضحى لنفسه كل هذا ليس من عمل السلف، والسلف يهتدون بهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وهدي النبي ﷺ هو أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (١) فأرشد إلى الدعاء للميت، لكن كونك
_________
(١) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (١٦٣١).