يرونه، وكما نعلم الآن أن الليل هنا يكون نهاراً في مكان آخر، أو لوجود غيوم وضباب كثير يمنع الرؤيا؛ ولهذا لا يمكن أبداً لأي عاقل أن ينكر انشقاق القمر انشقاقاً حسيًّا، لأنه لم يذكر في تاريخ اليونان، ولم يذكر في تاريخ الهند ولم يذكر في كذا وكذا، هذا ليس حجة يبطل به ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من أن القمر انشق فعلاً انشقاقاً حسيًّا، ونحن نؤمن بأن القادر على أن يطوي السماوات بيمينه كطي السجل للكتب، قادر على أن يفرق القمر فرقتين، ولا شيء يعجزه، ﴿وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأَرض إنه كان عليماً قديراً﴾ ولهذا لا وجه لإنكار من أنكر ذلك ممن ينتسبون إلى الإسلام، ويقولون: إن الأفلاك السماوية لا يمكن أن تتغير، نقول: الله أكبر، مَن الذي خلق الأفلاك السماوية أليس الله؟ بلى، إذن هو قادر على أن يغيرها ﴿إنما أمره إذآ أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾، فانشقاق القمر انشقاق حسي، انفلق فرقتين، ورآه الناس وشاهدوه، ولكن المكابر المعاند لا يقبل شيئاً، ولهذا قال: ﴿وإن يروا آيةً يعرضوا﴾ ﴿آيةً﴾ نكرة في سياق الشرط، أي آية يرونها يعرضون عنها ولا يقبلونها، ويجمعون بين الإعراض وبين الإنكار باللسان، ﴿يعرضوا﴾ أي: بقلوبهم وأبدانهم، ويقولوا بألسنتهم: ﴿سحر مستمر﴾، أي: هذا سحر، والسحر لا يؤثر في قلب الأعيان، ولكن يؤثر في رؤية
الأعيان، والدليل أن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى السحرة سحرهم، كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى حية، وانقلب الوادي كله حيات تسعى،