كالعيون (١)، سبحان الله، وهذا أعظم من آية موسى، لأن آية موسى يخرج الماء من الحجر، وخروج الماء من الحجر معتاد، كما قال تعالى: ﴿وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأَنهار﴾ لكن لم تجر العادة أن يخرج الماء من الإناء الذي بينه وبين الأرض فاصل إذن هذه أعظم، وموسى عليه الصلاة والسلام ضرب البحر فانفلق فكان أسواقاً يابسة، وهذه لا شك آية عظيمة، وجرى لهذه الأمة أعظم من هذه، مشوا على الماء دون أن يضرب لهم طريق يبس، مشوا على الماء المائع الهين الذي يغوص فيه من يقع فيه، مشوا بدوابهم وأرجلهم ولم يغرقوا، وذلك في قصة العلاء بن الحضرمي (٢)، وفي قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، مشوا على الماء، وهذا أعظم من أن يمشوا على الأرض التي تفرق عنها الماء، وآية صالح عليه السلام هذه الناقة لها شرب ولثمود شرب، لها يوم ولهؤلاء يوم، وقد وقع مثلها لرسول الله عليه الصلاة والسلام في الهجرة، فإنه مر براعي غنم وعنده ماعز أو ضأن ليس فيها لبن، فمسح النبي ﷺ ضرعها فجعلت تبش من اللبن (٣)،
فالمهم أنه ما من نبي بعثه الله إلا أعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، قلنا: هذا رحمة وحكمة: رحمة بالناس من أجل أن تحملهم هذه الآيات على التصديق فينجو من عذاب الله، وحكمة، لأنه ليس من الحكمة أن يقوم إنسان من بين الناس
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب الأشربة، باب شرب البركة والماء المبارك (رقم ٥٦٣٩).
(٢) انظر: صفة الصفوة (١/٣٥٢ - ٣٥٣).
(٣) انظر: صفة الصفوة (١/٧٠ - ٧١)..


الصفحة التالية
Icon