الكذاب الأشر، وهذا وعيد عظيم، ﴿وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾ والإنسان في غفلة عن هذا اليوم العظيم، قال الله تعالى: ﴿بل قلوبهم في غمرة من هذا﴾ يعني من عمل الآخرة، ﴿في غمرة﴾ مغطاة عن عمل الآخرة، ﴿ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون﴾ يعني أعمال الدنيا هم لها عاملون، وأتى بجملة اسمية يعني أنهم محققون للعمل فيها لا يتركونها ولا يفرطون فيها، وأما الآخرة فهم في غفلة منها ﴿إنا مرسلوا الناقة فتنةً لهم﴾ ﴿إنا﴾ يعني نفسه - جل وعلا - وأتى بصيغة الجمع تعظيماً له - جل وعلا - لعظمة صفاته، وكثرة كلماته، وكثرة جنوده، فلذلك يكني عن نفسه بصيغة التعظيم، ﴿إنا مرسلوا الناقة فتنةً لهم﴾، يعني باعثوها فتنة لهم واختباراً، هل يؤمنون أو لا يؤمنون، فلم يؤمنوا، وفي هذا إشارة إلى أن الله تعالى قد يظهر للإنسان من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، حتى إذا استكبر كان استكباره عن علم، فكان عقابه أشد وأوجع، ولهذا جعل الله الناقة فتنة، لأنها أظهرت الحق لهم، ولكن لم يقبلوه، وانتبه لهذا الاستدراج من الله - عز وجل - إذا يسر الله لك أسباب المعصية، فلا تفعل، فإن الله ربما ييسر أسباب المعصية للإنسان فتنة له، أرأيتم أصحاب السبت من بني إسرائيل يسرت لهم أسباب المعصية فتنة، وهي أن الله حرَّم عليهم صيد السمك يوم السبت فكانت الحوت تأتي يوم السبت شرَّعاً على وجه الماء وبكثرة عظيمة، لكنهم ملتزمون لم يصيدوا السمك في يوم السبت، فلما طال عليهم الأمد عجزوا عن ملك أنفسهم، فرجعوا إلى طبيعتهم وهي الغدر والحيلة والمكر،


الصفحة التالية
Icon