الله عليه وعلى آله وسلم بحثوا عن أمره في السر - يعني فيما لا يظهر للناس - وهو العمل الذي يفعله في بيته من العبادات فكأنهم تقالُّوها فقالوا: إن رسول الله ﷺ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأما هم فلم يكن لهم ذلك، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: «أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (١)
فحذرهم أن يعملوا عملاً يشق عليهم، ومن ذلك أيضاً حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه وعن أبيه - أنه بلغ النبي ﷺ قوله: إنه ليصومن النهار، وليقومن الليل ما عاش، فدعاه النبي ﷺ قال: «أنت قلت هذا؟» قال: نعم، قال: «إنك لا تطيق ذلك» (٢) ثم أرشده لما هو أفضل وأهون، والحاصل أنه يوجد من الصحابة - رضي الله عنهم - من له همَّة عالية لكن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا يطيعهم في كثير من الأمر؛ لأن ذلك يشق عليهم لو أنه أطاعهم، ثم قال عز وجل: ﴿ولكن الله حبب إليكم الإِيمان﴾، قد يقول قائل: ما هو ارتباط قوله: ﴿ولكن الله حبب إليكم الإِيمان﴾ بقوله: ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأَمر لعنتم﴾ ؟.
والجواب: أنكم تطيعونه - أي الرسول عليه الصلاة
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح (٥٠٦٣) ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه... (١٤٠١)..
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم الدهر (١٩٧٦) ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقًّا... (١١٥٩).