أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» (١)
فالباء في قوله: ﴿جزاءً بما كانوا يعملون﴾ أي: بسبب عملهم، وليس المعنى أنه عوض؛ لأن الله تعالى لو أراد أن يعاوضنا لكانت نعمة واحدة تحيط بجميع أعمالنا ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ فانتبه لهذا، ولذلك استشكل بعض العلماء قوله تعالى: ﴿جزاءً بما كانوا يعملون﴾ والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «لن يدخل أحد الجنة بعمله» والجواب أن الباء في النفي باء العوض، والباء في الإثبات باء السببية ﴿لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاما سلاما﴾ أي: أهل الجنة لا يسمعون كلاماً لا فائدة منه، ولا كلاماً يأثم به الإنسان، فالكلام الذي لا خير فيه، والكلام القبيح لا يوجد في الجنة ﴿إلا قيلاً سلاما سلاما﴾ الاستثناء هنا استثناء منقطع؛ لأن المستثنى من غير جنس المستثنى منه، فالسلام ليس من اللغو ولا من التأثيم، وعلامة الاستثناء المنقطع أن تجعل بدل ﴿إلا﴾ (لكن) فيستقيم الكلام، وهنا لو قيل في غير القرآن: لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً ولكن قيلاً سلاماً سلاماً لاستقام الكلام. ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿فذكر إنمآ أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأَكبر﴾ فالاستثناء هنا ﴿إلا من﴾ منقطع؛ لأن ما بعد ﴿إلا﴾ ليس من جنس ما قبلها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب المرضى، باب نهي تمني المريض الموت (رقم ٥٦٧٣) ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى (رقم ٢٨١٦)..


الصفحة التالية
Icon