فالجواب أن يقال: إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر، فليس كل ما أطلق الشرع عليه أنه كفر يكون كفراً، فهنا صرح الله - عز وجل - بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا مع أن قتال المؤمن كفر. فيقال: هذا كفر دون كفر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اثنتان في الناس هما بهما كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت» (١) ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائح على الميت لا يكفر كفراً أكبر، فدل ذلك على أن الكفر في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران: كفر مخرج عن الملة، وكفر لا يخرج عن الملة ﴿إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم﴾ وفي هذا من الحمل على العطف على هاتين الطائفتين المقتتلتين ما هو ظاهر في قوله: ﴿فأصلحوا بين أخويكم﴾ كما أنك تصلح بين أخويك الأشقاء من النسب، فأصلح بين أخويك في الإيمان ﴿واتقوا الله لعلكم ترحمون﴾ يعني اتقوا الله تعالى بأن تفعلوا ما أمركم به وتتركوا ما نهاكم عنه؛ لأنكم إذا قمتم بهذا فقد اتخذتم وقاية من عذاب الله، وهذه هي التقوى، وعلى هذا كلما سمعت كلمة تقوى في القرآن فالمعنى أنها اتخاذ الوقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ﴿لعلكم ترحمون﴾ أي ليرحمكم الله - عز وجل - إذا اتقيتموه.
_________
(١) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة (٦٧).


الصفحة التالية
Icon