في مكان كان الله معنا. حاشا وكلا، لا يمكن هذا، وكيف يتصور عاقل أن الله معنا في مكاننا، وكرسيه وسع السماوات والأرض؟! هذا مستحيل، والكرسي موضع القدمين، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه (١)،
فإذا كان كذلك هل يعقل أن رب السماوات والأرض الذي يوم القيامة تكون السماوات مطويات بيمينه، والأرض جميعاً قبضته هل يمكن أن يكون معنا في أماكننا الضيقة والواسعة؟ لا يمكن، إذا ﴿معكم﴾ أي: مصاحب لكم، والمصاحب قد يكون بعيد عنك، يقول العرب في أسلوبهم: ما زلنا نسير والقمر معنا، مازلنا نسير والقطب معنا. ما زلنا نسير والجبل الفلاني معنا، وليس معهم في مكانهم. ومعلوم أن القمر في السماء، والنجم في السماء، والجبل قد يكون بينك وبينه مسافة أيام، ومع ذلك فالعرب تطلق عليه المعية مع البعد في المكان، وكوننا نؤمن بأن الله معنا إذن هوعالم بنا، سميع لأقوالنا، بصير بأفعالنا، له القدرة علينا والسلطان، ومدبر لنا بكل معنى تقتضيه المعية، واعلم أن من الضلال من يقول: إن الله معنا في أمكنتنا، نسأل الله العافية، وينكرون أن الله في السماء عالياً فأتوا داهيتين عظيمتين، الأولى: إنكار علو الله. والثانية: اعتقاد أنه في الأرض.
سبحان الله! هل يعقل أن يعتقد عاقل فضلاً عن مؤمن أنه إذا كان في المرحاض كان الله معه؟ أعوذ بالله، الذي
_________
(١) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (١٢/٣٩ رقم ١٢٤٠٤) والحاكم (٢/٢٨٢) والخطيب البغدادي في تاريخه (٩/٢٥١ ٢٥٢) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/٣١٣) : رجاله رجال الصحيح..


الصفحة التالية
Icon