الله - عز وجل - ﴿وأنا من المسلمين﴾ فقيل له: ﴿ءالئن﴾ أي: الآن تتوب؟ لماذا لم تتب قبل؟ ﴿ءالئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾ فلم تقبل توبته - والعياذ بالله - وإذا تاب العبد فإن الله يفرح بهذا فرحاً عظيماً لا يتصوره إنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم» أو قال «بتوبة عبده من أحدكم براحلته» الراحلة هي البعير «كان عليها طعامه وشرابه فأضلها» يعني ضاعت عنه «فطلبها فلم يجدها، فنام تحت شجرة ينتظر الموت» ضعفت قواه وخارت واضطجع ينتظر الموت «فبينما هو كذلك إذا بناقته متعلقاً زمامها بالشجرة فأخذ الزمام فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك» يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك لكنه «أخطأ من شدة الفرح» (١)
وهل تجدون فرحاً أعظم من هذا؟ لا، لأنه لا فرح أشد من حياة بعد الإشراف على الموت، فالرب - عز وجل - يفرح بتوبة أحدنا أشد من فرحة هذا الرجل بناقته.
﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً﴾. تصدير الخطاب بـ ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ يدل على العناية به، ولهذا روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: إذا سمعت الله يقول ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فارعها سمعك: فإما خير تؤمر به، وإما شر تُنهى عنه. ويعني: وإما خير تحصل به العبرة والاتعاظ، كما قال تعالى: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأُولى الأَلباب﴾ وهنا يقول - عز وجل -: {يا أيها الذين آمنوا
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب التوبة (٦٣٠٨) ومسلم، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها (٢٧٤٤)..