قلنا: الظن المباح أكثر؛ لأنه يشمل نوعاً كاملاً من أنواع الظن، وهو ظن الخير، ويشمل كثيراً من ظن السوء الذي قامت القرينة على وجوده؛ لأنه إذا لم يكن هناك قرينة تدل على هذا الظن السيء، فإنه لا يجوز للإنسان أن يتصف بهذا الظن، ولهذا قال: ﴿كثيراً من الظن﴾ ولم يقل: أكثر الظن، ولا كل الظن، بل قال: ﴿كثيراً من الظن﴾ ثم قال: ﴿إن بعض الظن إثم﴾ وقد توحي هذه الجملة أن أكثر الظن ليس بإثم، وهو منطبق تماماً على ما بيناه وقسمناه، أن الظن نوعان: ظن خير، وظن سوء، ثم ظن السوء لا يجوز إلا إذا قامت القرينة على وجوده، ولهذا قال: ﴿إن بعض الظن إثم﴾ فما هو الظن الذي ليس بإثم؟ نقول: هو ظن الخير، وظن السوء الذي قامت عليه القرينة هذا ليس بإثم، لأن ظن الخير هو الأصل، وظن السوء الذي قامت عليه القرينة هذا أيضاً أيدته القرينة. ﴿ولا تجسسوا﴾ التجسس طلب المعايب من الغير، أي أن الإنسان ينظر ويتصنت ويتسمع لعله يسمع شرًّا من أخيه، أو لعله ينظر سوءاً من أخيه، والذي ينبغي للإنسان أن يعرض عن معايب الناس، وأن لا يحرص على الاطلاع عليها، ولهذا روي عن النبي ﷺ من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا يخبرني أحد عن أحد شيئاً»، يعني شيئاً مما يوجب ظن السوء به «فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» (١)
فلا ينبغي للإنسان أن يتجسس، بل يأخذ الناس على
_________
(١) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في رفع الحديث من المجلس (٤٨٦٠) والترمذي، كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي ﷺ (٣٨٩٦) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه..