الأمرين جميعاً، أي من أبيه وأمه، ﴿وجعلنكم شعوباً﴾ أي صيرناكم شعوباً ﴿وقبآئل﴾ فالله تعالى جعل بني آدم شعوباً وهم أصول القبائل، وقبائل وهم ما دون الشعوب، فمثلاً بنو تميم يعتبرون شعباً، وأفخاذ بني تميم المتفرعون من الأصل يسمون قبائل، ﴿وجعلنكم شعوباً وقبآئل﴾ هل الحكمة من هذا الجعل أن يتفاخر الناس بعضهم على بعض، فيقول هذا الرجل: أنا من قريش، وهذا يقول أنا من كذا، أنا من كذا؟ ليس هذا المراد، المراد التعارف، أن يعرف الناس بعضهم بعضاً، إذ لولا هذا الذي صيره الله - عز وجل - ما عرف الإنسان من أي قبيلة، ولهذا كان من كبائر الذنوب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه (١)،
لأنه إذا انتسب إلى غير أبيه غير هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي أنهم شعوب وقبائل من أجل التعارف، فيقال: هذا فلان ابن فلان ابن فلان إلى آخر الجد الذي كان أباً للقبيلة، ﴿لتعرفوا﴾ أي: لا لتفاخروا بالأحساب والأنساب، ﴿إن أكرمكم عند الله أتقكم﴾ ليس الكرم أن يكون الإنسان من القبيلة الفلانية، أو من الشعب الفلاني، الكرم الحقيقي النافع هو الكرم عند الله، ويكون بالتقوى، فكلما كان الإنسان أتقى لله كان عند الله أكرم، فإذا أحببت أن تكون عند الله كريماً، فعليك بتقوى الله - عز وجل - والتقوى كلها الخير، وكلها البركة، وكلها سعادة في الدنيا
_________
(١) أخرجه ابن ماجه، كتاب الحدود، باب من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه (٢٦٠٩ - ٢٦١١). وأخرجه البخاري بلفظ: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام»، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف (٤٣٢٦، ٤٣٢٧) ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم (٦١ - ٦٣)..