يبقى بإذن الله لا تأكله الأرض كأنه يكون نواة للجسم عند بعثه يوم القيامة، فإنه منه يخلق الآدمي في قبره، فإذا تم النفخ في الصور قاموا من قبورهم لله - عز وجل - وإذا كان الله تعالى عالم بما نقصت الأرض منهم فهو قادر على أن يرد هذا الذي نقصته الأرض عند البعث، ﴿وعندنا﴾ أي عند الله تعالى ﴿كتاب حفيظ﴾، أي: حافظ لكل شيء، قال الله تعالى: ﴿كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحفظين كراماً كتبين يعلمون ما تفعلون﴾.
قال تعالى: ﴿بل كذبوا بالحق لما جاءهم﴾ بل هنا للإضراب الانتقالي، وليست للإضراب الإبطالي؛ لأن الأول ثابت والثاني زائد عليه، وهذا هو الفرق بين (بل) التي للإضراب الإبطالي، وبين (بل) التي للإضراب الانتقالي، فصارت بل للإضراب دائمة لكن إن كانت تبطل الأول سموها إضراب إبطال، وإن كانت لا تبطله فهو إضراب انتقالي، كأنه انتقل من موضوع إلى آخر ﴿بل كذبوا بالحق لما جاءهم﴾ ولكن قلوبهم موقنة إلا أن ألسنتهم تكذب، كما قال الله تعالى عن آل فرعون: ﴿وجحدوا بها واستيقنتهآ أنفسهم ظلماً وعلواً﴾ ﴿لما جاءهم﴾ لما هنا بمعنى حين، فهي ظرف وليست حرفاً، ﴿فهم في أمر مريج﴾ الفاء هنا للتعقيب والسببية، والمعنى فهم لما كذبوا بالحق في أمر مريج، أي: مختلط اختلط عليهم الأمر - والعياذ بالله - وهو كقوله تعالى: ﴿ونقلب أفئدتهم وأبصرهم كما لم يؤمنوا به أول مرة﴾ يعني لأنهم لم يؤمنوا به أول مرة وظلوا في طغيانهم يعمهون، هؤلاء لما كذبوا صاروا في أمر مريج، التبس عليهم الأمر، وترددوا في أمرهم، وهكذا كل إنسان يرد الحق أول مرة، فليعلم أنه سيبتلى بالشك والريب في قبول الحق في


الصفحة التالية
Icon