عرضه مسافات طويلة فضرب البحر فانفلق البحر اثني عشر طريقاً، وصارت قطع الماء كأنها جبال، وصارت هذه الطرق التي كانت رياً من الماء، وطيناً زلقاً، صارت طريقاً يبساً بإذن الله في لحظة، فدخل موسى وقومه عابرين من أفريقيا إلى آسيا من طريق البحر، فلما تكاملوا داخلين وخارجين للناحية الشرقية دخل فرعون وقومه، فلما تكاملوا للدخول أمر الله البحر فانطبق عليهم، فلما أدرك فرعون الغرق أعلن فقال: ﴿آمنت أنه لآ إله إلا الذي آمنت به﴾.
وتأمل أنه لم يقل: آمنت بالله، بل قال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، لماذا؟ إذلالاً لنفسه، حيث كان ينكر على بني إسرائيل ويهاجمهم، فأصبح عند الموت يقر بأنه تبع لهم، وأنه يمشي خلفهم، ولكن ماذا قيل له: ﴿ءالئن﴾ تؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنك من المسلمين ﴿وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾. فلم تقبل توبته، لأنه لم يتب إلا حين حضره الموت، والتوبة بعد حضور الموت لا تنفع، كما قال الله تعالى: ﴿وليست التوبة للذين يعملون السيئت حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الأَن﴾ لا تنفع التوبة إذا حضر الموت، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بتوبة قبل الموت، ولكن الله قال: ﴿فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك ءايةً﴾. ننجيك ببدنك لا بروحك، الروح فارقت البدن، لكن البدن بقي طافياً على الماء. وبيَّن الله الحكمة ﴿لتكون لمن خلفك ءايةً﴾ لأن بني إسرائيل قد أرعبهم فرعون فلو لم يتبين لهم أنه غرق بنفسه لكانت أوهامهم تذهب كل مذهب، لعله لم يغرق، لعله يخرج إلينا من ناحية أخرى، فأقر الله


الصفحة التالية
Icon