يقل وبعث، وانظر إلى الفاتحة نقرأها كل يوم في كل ركعة من صلواتنا ﴿الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد﴾ ولم يقل (نعبده) فالالتفات أسلوب من أساليب اللغة العربية، وفائدته شدُّ ذهن السامع لما يلقى إليه من الكلام ﴿لقد كنت في غفلة من هذا﴾ ﴿لقد كنت﴾ هذه الجملة، يقول العلماء: إنها مؤكدة بثلاثة مؤكدات، الأول: القسم، والثاني: اللام، والثالث: قد، والتقدير (والله لقد كنت في غفلة من هذا). فإن قيل: أليس خبر الله تعالى حقًّا وصدقاً. سواءٌ أكد أم لم يؤكد؟
قلنا: بلى، ولا شك، ولكن مادام القرآن نزل باللسان العربي، فإنه لابد أن يكون التأكيد في موضعه، وعدم التأكيد في موضعه، لأن المقصود أن يكون هذا القرآن في أعلى مراتب البلاغة ﴿لقد كنت﴾ أي: أيها الإنسان ﴿في غفلة من هذا﴾ أي كنت غافلاً عن هذا اليوم ساهٍ في الدنيا، كأنك خلقت لها ﴿فكشفنا عنك غطاءك﴾ يعني هذا اليوم كشف الغطاء، وبان الخفي، واتضح كل شيء ﴿فبصرك اليوم حديد﴾ أي قوي بعد أن كان في الدنيا أعشى أعمى، غافل، لكن يوم القيامة ﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا﴾
﴿وقال قرينه هذا ما لدى عتيد﴾ قرين الإنسان هو المَلَك الموكل به ليحفظ أعماله؛ لأن الله تعالى وكَّل ببني آدم ملائكة عن اليمين وعن الشمال قعيد، وهذا من عناية الله بك أيها الإنسان، أن وكَّل بك هؤلاء الملائكة يعلمون ما تفعل، ويكتبون، لا يزيدون


الصفحة التالية
Icon