فأطيب: يعني في ذلك الوقت وفي ذلك المكان، وهل من السنّة ما يشهد لطلب الأزكى من الطعام؟ نعم، وذلك أن النبي ﷺ أقرَّ الصحابة الذين باعوا التمر الرديء بتمر جيد ليطعم النبي ﷺ منه، (١) ولم ينههم عن هذا، وما قال: هذا تَرَفُّه، اتركوا طلب الأطيب، فالإنسان قد فتح الله له في أن يختار الأطيب من الطعام أو الشراب أو المساكن أو الثياب أو المراكب، ما دام الله قد أعطاه القدرة على ذلك فلا يُلام.
(فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) يعني يشتري ويأتي به، فجمعوا بالتوكيل بين الشراء والإحضار.
(وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) أي يتعامل بخفية لئلاَّ يُشْعَر بهم فيؤذَون، وهذا يعني أنهم ظنوا أنهم لم يلبثوا إلاَّ قليلاً. ثم علَّلوا هذا؛ أي الأمر بالتطلف والنهي عن الإشعار بقولهم:
(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) (الكهف: ٢٠)
أي أنهم لا بد أنهم يقتلونكم أو يردونكم على أعقابكم بعد
_________
(١) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء بلال إلى النبي ﷺ بتمر برني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " من أين هذا؟ " قال بلال: كان عندنا تمر ردي فبعت من صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي ﷺ عند ذلك: " أوه أوه عين الربا عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتره" متفق عليه. البخاري: كتاب: الوكالة، باب: إذا باع الوكيل شيئا فاسداً فبيعه مردود، (٢٣١٢). مسلم: كتاب المساقاة، باب: بيع الطعام مثلا بمثل، (١٥٩٤)، (٩٦). واللفظ للبخاري.