قوله تعالى: ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ...﴾ الآية. [١٨٨].
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا أبو الهيثم المَرْوزِي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدَّثنا سعيد بن أبي مريم، حدَّثنا محمد بن جعفر قال: أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرِي.
أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الغزو تخلفوا عنه، فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يُحْمَدُوا بما لم يفعلوا؛ فنزلت: ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ﴾ الآية. رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني، عن ابن أبي مريم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن الشَّاذياخي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي، أخبرنا محمد بن جهم، أخبرنا جعفر بن عَوْن، حدَّثنا هشام بن سعيد، قال: حدَّثنا زيد بن أَسْلم:
أن مَرْوَان بن الحكم كان يوماً وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخُدْرِي، وزيد بن ثابت، ورافع بن خُدَيْجٍ؛ فقال مروان: يا أبا سعيد، أرأيت قوله تعالى: ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ﴾ والله إنا لنفرح بما أتينا، ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا، إنما كان رجال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي، فإذا كانت فيهم النكبة وما يكرهون فرحوا بتخلفهم، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو سعيد بن حمدون، أخبرنا أبو حامد بن الشرقيّ، قال: حدَّثنا أبو الأزهر، قال: حدَّثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة: أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه: اذهب إلى ابن عباس: وقل له: لئن كان [كل] امرئ منا فرح بما أتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذِّب - لنعذبن أجمعين. فقال ابن عباس: مالكم ولهذا؟ إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم، اليهود فسألهم عن شيء، فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه فيما سألهم، وفرحوا بما أَتوا من كتمانهم إِياه. ثم قرأ ابن عباس: ﴿وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ﴾ رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام، ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن حجاج؛ كلاهما عن ابن جُرَيج.
وقال الضحاك: كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومَنْ بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها: أن محمداً ليس نبي الله، فاثبتوا على دينكم، وأجمعوا كلمتكم على ذلك. فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن. ففرحوا بذلك. وقالوا: الحمد لله الذي جمع كلمتنا، ولم نتفرق، ولم نترك ديننا؛ وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله. وذلك قول الله تعالى: ﴿يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ﴾ بما فعلوا ﴿وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ﴾ يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة.